الثلاثاء، 14 يونيو 2011

في تصنيفات الدماغ


لقد ظهر منذ حوالي السنتين اختبار لقياس ما إذا كان الجزء الأيمن او الأيسر من الدماغ طاغٍ على الجزء المقابل؛ وهذا الإختبار يعتمد على صورة فتاة ترقص، إما الى اليمين وإما الى اليسار؛ إن كانت الفتاة ترقص يمنة فهذا معناه أن الدماغ المسيطر هو النصف الأيمن، والعكس يثبت التحليل المعاكس.







حسب «الفرد منزر» (Alfred Munzert) فإن مميزات نصفي الدماغ تأتي على النحو التالي:
الأيسر يتعامل مع: الوقت، الذاكرة، المخاطبة، اللغة، الأرقام، الحساب، التتابعات، التصنيف، المنطق والتحليل.
بينما النصف اليمين يتعامل: في المكان، الحدس، المشاعر، المواقف، التنسيق الجسماني، البصر والرؤية المكانية —اي في الفضاء، الفنون الجميلة، الميكانيك، الموسيقى والإيقاع والرقص و ي التركيب العقلي.
يضيف متابعاً، أن العالم يسيطر عليه اصحاب الدماغ الأيسر، اي العقول المنطقية والحسابية، بينما يتم إقصاء ذو التركيبة اليمينية ومحاولة تدجينهم اولاً من خلال النظام التعليمي في المدارس —أي عبر المنهج الدراسي المترابط الذي يعتمد صعود الدرج درجة درجة؛ هذا المنهج التعليمي مضر جداً لمن هم ذو دماغ يميني، خصوصاً عندما نعلم بأن معظم المخترعين والمبتكرين هم من هذا التوجه —اي ذو عقل يمين.
لكن هناك مشكلة بأنه يتم محاسبة ذوي النزعة اليمينية للدماغ على أساس انهم كما اصحاب اليسار، الأمر الذي هو إجحاف بحق شريحة قد تكون قليلة لكنها مبدعة ومبتكرة. لهذا السبب معظم من هم بهذه النزعة يواجهون مشاكل خلال مرحلة الدراسة —نحن لا نتكلم عن الحمقى هنا!—؛ والطريقة الأمثل لمعالجة هذه المشكلة تبدو انها لا يمكن ان تتأتى الا من اصحاب الدماغ اليميني، أي بمبادرة ذاتية.
اوغست كومتإن معظم من هم ذو إتجاه يميني للدماغ، يتميزون بذكاء متقد، وفطنة وقدرة على فهم وإدراك الأمور كليةً؛ فعلى عكس معظم الناس، اليمينيون يفهمون الكل ثم ينتقلوا الى الأجزاء، وينحون المنحى البصري، فيرون المشاكل والعقبات صورياً ويسمعون الحلول — هذا موقع جميل لإختبار القدرة السمعية، اي القدرة اليمينية للدماغ، لإستنباط الحلول، أو بمعنى ادق للشعور بالحلول المناسبة: إختبار للذكاء السماعي...
منذ اواسط القرن التاسع عشر، وهناك هجمة منظمة على ذوي النزعات الدماغية اليمينية، اي المبدعون، وهذا جلي من خلال بحث عالم الإجتماع «ماكس فيبير» (Max Weber) حول البيروقراطيا الغربية؛ فالمحاولات كانت دؤوبةلتدجين المجتمع نحو منحى ضيق وجامد يعتمد على المنهجية الثابتة لإستنباط كل الحلول؛ وقد كانت هذه البداية عبر عالم الإجتماع الغربي الأول «أوغست كومت» (Auguste Comte)، حيث دعا الى إسقاط الفلسفة كجامعة للعلوم —أي النزعة اليمينية للنظر الى الكليات— في مقابل التخصيص والتخصص، بحيث كلٌ يركن الى زاويته الضيقة التي يرتع بها! ومنذ ذاك الوقت والتركيبة الإجتماعية المتزايدة التعقيد تؤدي بالألاف الى الإغتراب —واقصد هنا الإغتراب النفسي والروحي— فالكائن بات غريباً عن عالمه، عن حياته وعن مجتمعه، ومن لا ينحو مع الموجة يُنسى، والموجة هنا ليست بالضرورة الحل الناجع، فالحروب الى تزايد والمآسي الى تعاظم، في ظل مستقبل مشؤوم ومشكلات لا حلول لها، بات الأمل بالخير، كالساعي الى جنة عدن، فلا هي ترى ولا هي موجودة! فضلاً عن ذلك فإن الموجة تتجه الى التوسطية في الأداء والتفكير، فالعقول الفذة باتت كرماد النجوم، والمبدعون قليلون منثورون نثر الرحى في عالم لا يرحم.
ويبدو لي بأن المنهجية التي يجب ان تتبع لتحفيز ونمو الدماغ اليميني، تمر عبر منهجية معاكسة للتي متبعة اليوم في النُظُم التعليمية. لتطوير القدرة الإبداعية لدى الفرد على المنهجية المتبعة ان تتخذ على مراحل ثلاث: التلقي، الإستيعاب والإنتاج.
في مرحلة التلقي المُفضل ان يكون بصرياً وسمعياً، من ثم عبر القراءة والمطالعة، ذاك انه في القراءة يتم تثبيت المعلومات المستقاة عبر الحواس، وبالتالي يصبح طريق الإستيعاب معبداً، سهلاً.
في مرحلة الإستيعاب، إن اكثر ما يؤثر على حفظ وفهم الموضوعات هو الهدوء... النفسي، فلا يجب ان نهمل الحالة النفسية التي تؤثر إما صعوداً او هبوطاً في فهمنا للأمور؛ وضمن مرحلة الإستيعاب تتم معالجة النصوص التلقاة عبر التطبيق —كالقيام بالفروض المطلوبة، في الرياضيات مثلاً—؛ هنا ينتهي المنهج الكلاسيكي عند هذه النقطة، لكن في حالة الأشخاص ذو النزعة اليمينية هذا لا يكفي، بل إنه يُنسى بعد حين، ذاك لأن الإستيعاب يكون بمثابة 20% من المواد المتلقاة. لذلك وجب إضافة مرحلة ثالثة لتوكد المفاهيم وتشق الطريق امام الإبداع العقلي اليميني.
مرحلة الإنتاج هي اهم مرحلة للفرد اليميني، فهنا يتم توكيد المفاهيم، تخزينها، واستنباط مفاهيم من المفاهيم، اي عملية ربط شاملة لكل شيء، حتى لو ظهر بعيداً كل البعد ظاهراً —كما قلنا ان اليمينيين يرون الصورة الكلية ثم الجزئية، وبالتالي امكانية ربط ما لا يربط متاح امامهم مطلقاً سهلاً، بينما هو عسراً للأخرين.
الطرق المتبعة للإنتاج اولها واهمها الكتابة، وبالكتابة نقصد كتابة ما "تم فهمه" خلال المرحلتين الأولتين. ثم كتابة ما نظن في ما تم فهمه، والتعقيب عليه "بالأراء الخاصة" مهما كانت هذه الأراء، فلتُكتَب كيلا تُنسى. بعد ذلك، يتم مناقشة ما تم فهمه، مع اي شخص كان، ومحاولة المحاورة لإستنباط مفاهيم جديدة —وهنا احب التنويه بأهمية الحوارات على الطريقة السقراطية في استنباط الأمور والأفكار والحلول؛ لقد كان سقراط يكرر بأنه لا يعطي حلولاً ولا يأتي بأي شيء من عنده، إنما هو يوَلِد افكار من محاوريه!— لا يمكنني الا ان اشدد على اهمية هذه النقطة وكم من آفاقٍ تفتح امام الأفكار التي تبدو كأنها ولدت من الأثير الخالص!
تباعاً اعتقد احدى اهم الوسائل المفيدة لإطلاق عنان المخيلة، هو محاولة تطبيق ما تم فهمه وتعلمه على كل شيء يجري من حولنا، مهما بدا انه لا يتوافق ظاهرياً مع ما نراه، لا احد يعلم ما قد يوجد تحت ظلال التناقدات والأضداد، بل ربما هي واحد من اصل واحد، لكن ذو وجهين.
معاً لتحرير العقول من الدوغمائية!

0 التعليقات:

إرسال تعليق